الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة أزمة ديبلوماسية بسبب مباراة كرويّة !

نشر في  03 جويلية 2014  (18:24)

كنا تطرّقنا في عددنا الماضي إلى العقلية الإنهزامية التي تكون عليها المنتخبات العربية عند مواجهاتها للمنتخبات الأوروبية العريقة في نهائيات كاس العالم وأشرنا إلى أن ثقافة الخوف التى تكرّست في مجتمعاتنا وتربّى عليها أبناؤنا هي سبب الداء وسبب العقدة التي باتت تكبّلنا عند تعاملنا مع «بوبرطلّة» أو «الخواجة» كما يسمّونهم إخواننا المصريون.. وكنّا ذكرنا أنّ هزم هذه المنتخبات ليس معجزة إذا ما تسلّح لاعبونا بالعزيمة والإرادة وحب الفوز خصوصا أنّ كرة القدم لا تخضع إطلاقا للمنطق وكأس العالم الحالية دليل على ما نقول. وماكان لمنتخب الخضر العربي أن يمرّ للدور الثاني من المونديال لو لم يتخلّص من انكماشه الدفاعي رافعا شعار أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم» وكان أوّل منتخب عربي وإفريقي يسجّل أربعة أهداف في مباراة واحدة.
تأهل الجزائر إلى الدور الثاني أسعد شعوب العالم العربي دون استثناء، ولكن ما عكّر صفو هذه الفرحة عمليّة حرق العلم المغربي من قبل فئة من الجماهير الجزائرية خلال إحتفالها بفوز منتخبها على منتخب كوريا الجنوبية وهي حادثة أشعلت نيران الغضب في المغرب وخلّفت أزمة بين البلدين خصوصا بعد أن قامت مجموعة من المغاربة مساء الجمعة الماضي وكردّ فعل على حرق علم بلادهم باقتحام مقر القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء وإنزال العلم الجزائري و تمزيقه. وقد جدّت هذه الحادثة بعد إستدعاء المغرب لسفيرها بالجزائر للتشاور، وهو ما يشكل تصعيدا مؤسفا ليس له أيّ مبرّر.
من جهة اخرى ودائما في إطار ردود الأفعال المغربية الغاضبة هدّد زعيم ما يُسمى بـحركة «الشباب الملكي» بحرق السفارة الجزائرية بالمغرب وقالَ « الشعب الشقيق حرق درابو المغربي، سنرد بقوة المرة المقبلة .. لن نزيل العلم الجزائري بل سنحرق السفارة بمن فيها». وقد أثار هذا التهديد جدلاً واسعاً في صفوف نُشطاء المواقع الإجتماعية بين مُؤيد ومُعارض، حيث اعتبرَ البعض أنَ مثل هذه التصرفات لا تخدم المواقف المغربية بقدر ما تُؤجّج الأزمة بشدّة، فيما اعتبر اخرون أنَ هذا التهديد بحرق السفارة الجزائرية تصرف طبيعي وعادي على خلفية حرق العلم المغربي وقالوا بما معناه «السن بالسن و العين بالعين».
وفي بادرة تذكر فتشكر بهدف رأب الصدع وتجاوز مخلّفات الحادثة ظهر اللاعب الجزائري فيغولي في صورة أمام مقر إقامة منتخب بلاده حاملا العلم الوطني المغربي، وبذلك حاول تهدئة الخواطر وبعث رسالة للمغاربة مفادها أن اللاعبين لاعلاقة لهم بما يحدث خارج أسوار إقامتهم وأنهم يحبون الشعب المغربي ، وقد رافقت الصورة جملة من التعليقات بمواقع التواصل الاجتماعي وكلها تؤكد أن من قام بحرق العلم المغربي ليست سوى فئة تسعى إلى زرع بذور الفتنة والكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري.
والثابت أن هذه الحادثة تبرز بوضوح ما خلفه فيروس أنفلونزا الأنظمة العربية من حالات الاصابة بالاسهال والغثيان السياسي، ففي الوقت الذي تتضاعف فيه جهود أوروبا لتوسيع دائرة اتحادها، نرى كيف نجح هذا الفيروس اللعين في رفع وتيرة الخلافات العربية، وكيف استطاع أن يُنسي شعوبنا قضاياها المصيرية، ونسينا مشكلات آلاف الشبان الذين ينتحرون يوميا في أعماق البحار، في مغامرات الموت المنظم التي نُطلق عليها تسمية الحرّاقة، ولم تعد أعيننا ترى تراكمات العبث السياسي والاقتصادي، وزبالة الفساد التي فاحت روائحها في كل مكان، وفي هذا الوقت الذي يفعل فيه فيروس الأنظمة فعلته، نرى الصهاينة يغتصبون الأراضي العربية حيث صادق الكنيست على مشروع قانون يُلزم الحكومة الاسرائيلية بالحصول على أصوات 80 نائبا أو اللجوء الى الاستفتاء عند اتخاذ أي قرار بالتنازل عن الأراضي المحتلة لأصحابها.. هكذا إذن صنّعنا فيروس الأنظمة العربية في مخابر الفساد والخيانة والسفاهة.
إن الواقع العربي المرير يحثّ الجميع على رأب الصدع وتجاوز الخلافات، واتباع سياسة الدبلوماسية الهادئة لحل المشاكل، وما الاعتذار عن الخطأ بتقليل من الشأن، بل إن الاعتراف بالخطأ يعد من الفضائل، ويكفي عالمنا العربي ما تنخره من توتّرات وتناحرات.

بقلم: عادل بوهلال